رموز لن تنسى.. هكذا بدأت ثورة سوريا قبل أن تغرق بالدماء
تسع سنوات مرت، على انطلاق الثورة في سوريا، يوم خرج الآلاف مطالبين بالحرية وحياة كريمة، إلا أنها سرعان ما غرقت بدمائها، ومآسيها، مع مقتل ونزوح الآلاف.
دفع السوريون ثمن انتفاضتهم بالدم والنار، وما زالوا ينتظرون عدلاً لم يأتهم بعد.
آلاف القتلى والجرحى وآلاف من المعتقلين ونازحون بالملايين، بدأت قصتهم في السادس من مارس/آذار 2011، حين اعتقلت قوات النظام فتيانا بسبب كتابة شعارات مناهضة لرئيس النظام بشار الأسد على بعض الجدران في محافظة "درعا" جنوب سوريا، ما دفع العشرات إلى الخروج في مظاهرات للمطالبة بـ"الحرية" ورحيل الأسد الذي تمسك عائلته بحكم البلاد منذ سنوات طويلة.
بدأت قوات النظام عملية قمع المظاهرات المعارضة بالقوة والسلاح مع تمدد تلك الاحتجاجات ووصولها مدناً أخرى.
لم تكد تمر أسابيع قليلة على انطلاقة الأحداث في مارس/آذار 2011، حتى بدأت قوات النظام حملة اعتقالات موسعة طالت عشرات الآلاف لا يزال مصير أعداد كبيرة منهم مجهولا حتى اللحظة، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان على مدار السنوات التسع، 16163 مدنيا سوريا في سجون ومعتقلات النظام التي باتت أشبه بـ"أقبية موت".
"ابن درعا البار"
خلال تلك السنوات برزت أسماء ورموز كثيرة، ارتبط اسمها بشعلة الثورة في سوريا.
لعل أبرزها، الطفل حمزة الخطيب، الذي كان في الـ13 من عمره، عند انطلاق الثورة، فخرج في تظاهرة لكسر الحصار عن بلدات في درعا عانت الأمرّين من التجويع والقتل.
وظل حمزة يهتف مع أقرانه، حتى وصل حاجزا لجيش النظام فأطلق جنوده النار عشوائياً على المتظاهرين، ثم اعتُقل مع 50 شخصاً.
سأل بعدها أهل حمزة عنه، فأفيدوا بأنه في فرع المخابرات الجوية التي تحقق معه وستطلقه.
وبالفعل، أَعادته المخابرات إلى أهله، ولكن "جثة".
حينها نقلت صحيفة كندية عن طبيب شرعي أن حمزة عاد بلا فكّين وبجسد مليء بالحروق وبالصدمات الكهربائية وكدمات الضرب بالكابلات بينما قُطع عضوه التناسلي.
حمزة لم يضرب جنديا للنظام يوما، ولم يُلْقِ بالحجارة على أحد، لم يتآمر، حمزة ذو الـ13 ربيعاً رأى الناس يخرجون طلباً للحرية والتغيير فخرج معهم، إلا أنهم مثّلوا بجثته ليعرف أبناء درعا وسوريا قاطبة أن مصيرهم سيكون مماثلاً لو فكروا تفكيره فقط. حمزة غدا أيقونة لدى السوريين كما غدا غيره كثيرون.
"منشد الثورة"
إبراهيم القاشوش، مرت سنوات طويلة على مقتله تعذيبا في أقبية النظام السوري بعد اقتلاع حنجرته، إلا أن صوت مغني الثورة السورية ومنشدها إبراهيم قاشوش مازال يصدح في آذان كل من يعرفه وسمعه.
القاشوش ابن نواعير حماة لم يحمل السلاح يوما، ولم ينضم إلى "العصابات المسلحة" التي كان يتحدث عنها نظام الأسد في ذلك الوقت، لكن صوته أزعج أفرعة المخابرات التابعة للأسد، فقررت كتمه إلى الأبد، حيث عثر على جثته في عام 2011 ملقاة بنهر العاصي وقد قطعت نصف رقبته واستؤصلت حنجرته من الوريد إلى الوريد.
"الست الحرة.. ما بدي يحكم ابني ابن بشار الأسد"
"الست الحرة.. ما بدي يحكم ابني ابن بشار الأسد" بتلك العبارة هكذا عُرفت مي سكاف، أيقونة الثورة السورية.
لقبت بـ "الست الحرة"، بعد أن روت إثر هروبها من سوريا، ما حدث معها في فرع المخابرات عندما اعتقلت عام 2013.
حينها سألها المحقق الأمني التابع لسلطات أمن النظام، عن الهدف من انخراطها الفاعل في الثورة والشيء الذي تريده منها، فقالت له ببساطة: "لا أريد لابني أن يحكمه ابن بشار الأسد!".
فأجابها المحقق: "بكل بساطة لا تجيبي ولاد"!!.
وتحولت جملة "لا أريد لابني أن يحكمه حافظ بشار الأسد"، إلى ما يشبه الأيقونة التي اتصفت بها الفنانة التي رحلت في باريس عام 2018 عن 49 عاما، عندما أطلق ناشطو الثورة عليها، لقب "أيقونة الثورة".
"حارس الثورة"
عبد الباسط الساروت، حارس الثورة السورية وبلبلها، قاد مظاهرات في مدينة حمص، قتل والده و4 من أشقائه خلال قصف لطائرات وقوات النظام واشتباكات معها في المدينة، قبل أن يخرج منها مجبراً بعد محاصرتهم من قبل قوات النظام.
توفي الساروت في يوليو/تموز 2019 متأثراً بجراح أصيب بها خلال معارك مع قوات النظام على محور تل ملح بريف حماة الشمالي.
أهمية الرجل، يظهرها إعلام النظام السوري، نفسه، فقد أفردت غالبية الصحف الرسمية التابعة للنظام، حيزا لخبر مقتل الساروت، بالاسم والصورة، ذلك أن الرجل كان يتمتع بشعبية قل مثيلها في أوساط الثورة السورية، منذ بداياتها عام 2011، عندما كان الراحل، يصدح بأغاني الوطنية والثورة،
وإلى جانبه، رفيقة درب الثورة، الفنانة السورية الراحلة، ابنة مدينته حمص، فدوى سليمان، والتي رحلت في فرنسا، عام 2017، بعد إصابتها بمرض السرطان.
حارس الثورة لقبه بسبب ولعه برياضة كرة القدم، حيث كان لاعبا في أندية محافظته، ليصبح أحد أشهر حراس كرة القدم في سوريا، عندما نال جائزة أفضل ثاني حارس كرة قدم، في القارة الآسيوية قبل الحرب.
للدواعش نصيب أيضا
لم تقتصر معاناة السوريين على تعذيب النظام فحسب، ففي ذمة تنظيم داعش الإرهابي جرائم كثيرة، أهمها إعدامه للمدير العام السابق لمديرية تدمر للآثار والمتاحف في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي في أغسطس/آب 2015، حينها ذبح التنظيم عالم الآثار البالغ من العمر 82 عاماً، واسمه خالد الأسعد، حاصل على شهادة دكتوراه في علم الآثار.
قطع رأسه التنظيم في الساحة العامة بتدمر وعلق جثته على عمود وسط تجمهر عشرات المواطنين في مكان تنفيذ الإعدام، حيث قاموا بذبحه بوساطة سكين، بعد اعتقاله منذ نحو شهر.
عمل الأسعد أكثر من 50 عاماً مديراً للآثار في تدمر، وعمل أيضا في العقود القليلة الماضية مع بعثات آثار أميركية وفرنسية وألمانية في أعمال حفريات وبحوث في أطلال وآثار المدينة التي يرجع تاريخها إلى 2000 سنة وهي مدرجة ضمن قائمة منظمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.
إذا اسمه أيقونة أيضا، دلت على فظائع داعش في سوريا.
"ملاك الثورة"
للبحر نصيب أيضا بدماء السوريين، فصورة جثة الطفل الكردي إيلان وهي ملقاة على رمال أحد السواحل التركية، هزت العالم بما تعكسه من حجم المعاناة التي يكابدها طالبو اللجوء خلال رحلاتهم إلى أوروبا.
إيلان لقي حتفه في سبتمبر/أيلول من عام 2016 هو ووالدته وشقيقه، بعد غرق القارب الذي كانوا يحاولون الهجرة على متنه من تركيا إلى اليونان، لتغزو العالم بأسره وتثير موجة تعاطف وغضب بسبب ما اعتبر تقاعساً من الدول المتقدمة عن مساعدة آلاف اللاجئين الذين يقومون برحلات بحرية خطرة لحياة آمنة فقط، فأصبح إيلان أشهر من نار على علم.
أتباع تركيا.. هفرين خلف
هز فيديو مقتلها العالم بأسره لما حمله من وحشية وعنف، وعاد اسمها إلى الواجهة من جديد بعد معرفة تفاصيل مقتلها.
هي الأمينة العامة لحزب "سوريا المستقبل" هفرين خلف، تلك الشابة الكردية البالغة من العمر 35 عاماً، التي قتلت في 12 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019 على يد عناصر ما يسمى "الجيش الوطني السوري"، وهي فصائل سورية مسلحة مدعومة تركياً، لا تقل فظائعها عن فظائع داعش أبدا.
هفرين وجدت مغطاة بالحجارة والتراب وملطخة بالدم، عندما كانت في طريقها إلى مدينة الرقة، تعرضت لهجوم فظيع من تلك الفصائل، وكشف الطب الشرعي أن هفرين لم تتعرض لإطلاق الرصاص فقط، بل تم سحلها من شعرها واقتلاعه، وضربها بأدوات صلبة وحادة. كان جسدها هفرين مليئا بالجروح، حتى رأسها بسبب طلقات الرصاص، وتعرض جسمها في مناطق مختلفة للكسور، إضافة لكسور في الفك السفلي، والعظم الصدغي للجمجمة، وتعرضت للضرب بأداة حادة، وتم سحلها من شعر رأسها، الأمر الذي أدى إلى اقتلاعه مع الجلد من جهة رأسها الخلفية، وضرب كل من رأسها وساقها اليسرى بجسم صلب.
وحتى اليوم ومع دخول الحراك في سوريا عامه العاشر، لا يتوقع السوريون نهاية أفضل، فالأزمة السورية ما زالت في تعقد كبير مع تعنت النظام وشتات المعارضة، وسقوط مزيد ومزيد من القتلى.